بعد رفع الدّعم… الحل الوحيد في لبنان إفلاس المصارف
حسين نور الدين لـ"أحوال": علينا القبول بتوزيع الخسائر وإلا تحوّلنا إلى أحد ممتلكات البنوك
يعيش لبنان اليوم على وقع الانهيار الاقتصادي وأخبار رفع الدّعم عن الطّحين والأدوية والمحروقات، وما سيخلّفه من أزمات معيشيّة ستنعكس حتماً على الأمن الاجتماعي.
لا شيء يبشّر بحلحلة، والأمور تتّجه يومياً نحو المزيد من التعقيد وسط مخاوف اللبنانيين من الأيام المقبلة التي لن تحمل معها سوى المزيد من الأوجاع. لم يعد السؤال ما الحل؟ بل بات كيف سنتعايش مع كل هذا السّواد الذي ينتظرنا.
في تصريح لـ”أحوال”، يؤكّد الصحافي المتابع للشأن الاقتصادي حسين نور الدّين أنّ “المشكلة أساساً أنّ الدعم بحد ذاته ليس الخيار الأمثل، وليس الوضع الطبيعي، وأنّ الدعم هو الوضع الشاذ يحصل عند الاختلال في الاقتصادات الضعيفة، مثل لبنان”.
ويعطي نور الدين مثالاً على دول قوية وما زالت تعتمد على دعم بعض المواد مثل الكويت التي تدعم الخبز، يقول “الكويت لديها دخل فردي مرتفع لكنّها ما تزال تحافظ على دعم بعض السّلع الغذائية ليس لوضع اقتصادي استثنائي لديها ولكن لخلفيّات مجتمعيّة ترتبط بالوافدين، العمال من الخارج، وهي بطبيعة الحال مسألة في الكويت مجتمعية تكافلية تضامنية”.
ويتابع “الدعم في لبنان هو الوضع الشاذ، لكن المشكلة أن الكثير من الخبراء والمعلقين بينهم أنا علّقنا على خطة وزير الاقتصاد راوول نعمة منذ بدايتها وقلنها إنها فاشلة. تصوّروا أنّ هناك دعم على السكر لكن الدعم يأتي على أسماء تجارية سجلت لدى وزارة الاقتصاد. ما الذي يمنع أن يقوم الشخص المدعوم بإعادة تعبئة هذا السكّر في أكياس بأسماء تجارية مختلفة وبيعها باسعار أعلى؟ ويأتي السؤال لماذا سيشتري المواطن بسعر أعلى من السكر المدعوم؟ الجواب أنّنا في لبنان لا نمتلك لا أجهزة رقابة ولا مواصلات حديثة، وعلى سبيل المثال قد يصل إلى راشيا السكر غير المدعوم والمواطن سيشتريه. ما الذي يمنع ومن سيراقب؟”.
ويشير نور الدين إلى أنّ وزارة الاقتصاد لديها نقص في أعداد المراقبين، لذا منذ البداية عملية الدعم كانت عملية مجحفة ويتساءل “كيف يمكن تخيّل مواطن يمتلك أسطولاً من السيارات وهو مرتاح مادياً، يحصل على المحروقات بسعر مدعوم مثل سائق السيارة العموميّة الذي يسترزق يوماً بيوم ليعيل عائلته هذا أمر مخالف للطبيعة”.
الدولارات الموجودة اليوم هي تحويلات المغتربين
واعتبر نور الدين أنّ هذا الدعم استنزف دولارات الاحتياط التي هي ودائع الناس، وأنّ “مصرف لبنان استخدم ما لدينا من دولارات، يقال إنّها من الاحتياطي وأنا من الناس المشكّكين بوجود الاحتياطي، أصلاً أنا من الذي يقولون إنّ الدّولارات الموجودة اليوم في الاقتصاد هي من تحويلات المغتربين وبعض الجهات الأجنبية التي تصرف في لبنان، بالنهاية تصل هذه الأموال إلى اللبنانيين وهم يحتاجون إلى صرفها لليرة لبنانية بدل سكن ومعيشة ومواصلات وغيرها، أعتقد أنّ هذه الدّولارات تلقى مصيرها عبر الصرافين إلى مصرف لبنان ليعيد استخدامها في دعم أمور أخرى.”.
ويرى نور الدين أنّ مصرف إن كان لديه احتياط ،فهو محدود جداً يستخدم للمحروقات والطحين والأرز والسكر والسلة الغذائية التي أعلن عنها”.
ودائع اللبانيين تبخّرت
اليوم وصلنا إلى مكان يعترف فيها وزير الاقتصاد أنّ الخطة فشلت،
ماذا يعني ذلك؟ يقول نور الدين “رفع الدعم يعني ارتفاع الأسعار الأمر لا تحتاج إلى الكثير من التفسير، المسألة هي كيف سينعكس ارتفاع الاسعار على المواطنين؟”.
اليوم لا تصحيح للرتب والرواتب في القطاع العام، القطاع الخاص في حالة يرثى لها وهناك تسريحات بالآلاف للموظفين، هناك بطالة عالية جداً في الاقتصاد اللبناني، والأسعار التي سترتفع ستنعكس على جيوب المواطنين عبر تخفيض قدراتهم الشرائية، فماذا عن الاحتياطي في مصرف لبنان؟
يقول نور الدين “هم يتحدّثون عن احتياطي العملات النقدية هذه هي ودائع اللبنانيين بالدولار، لا تعنينا الليرة لأنّ مصرف لبنان هو الذي يطبع الليرة ما يعنينا هو الدولار، لكن السؤال الأساسي الذي وجهته منذ فترة وأوجّهه الآن عبركم، نحن نضع احتياطي 15 بالمئة إلزامي على شيء هو موجود، هل الودائع بالدولار موجودة؟ هي موجودة كأرقام فقط على شاشات الحاسوب والدليل أنّ المواطن الذي لديه حساب بقيمة مئة ألف دولار لا يستطيع إلا الحصول على الليرة اللبنانية على سعر المنصة 3900 بينما سعر السوق 8200 ليرة، لذا فهو يحصل على 40 بالمئة من قيمة أمواله بتاريخ اليوم”.
ويؤكد نور الدين أنّ الدولار البنكي اليوم غير موجود، أي أنّ العملة الورقية بالدولار غير موجودة، وهذا يعني تبخّر جزء كبير من أموال اللبنانيين.
في أيلول 2019 ذكرت وكالات التصنيف العالمية في تقارير لـ”فيتش” و
“موديز” أنّ صافي الاحتياطي في مصرف لبنان سالب، أما القابل للاستخدام فكان في وقتها بين التسعة والـ16 مليار دولار، ثم تحدّث المسؤولون عن أن هذه الأرقام غير حقيقية وتحدّثوا عن أربعين مليار دولار احتياطي، لنفاجىء بعدها أنّ الرقم هو 30 مليار، ثم 20 واليوم يتحدّثون عن 17 مليار غير قابل المساس بها.
يقول نور الدين “هناك قطبة مخفية واضحة للخبراء، جلية بأنّ هناك أمر ما بخصوص الاحتياطي الذي يملكه مصرف لبنان من العملات الأجنبية، وبكل الأحوال إذا كان هذا الاحتياطي موجوداً فهو من حق المودعين وإلا ماذا سيفعلون بهذا الاحتياطي”.
ويتساءل نور الدين “لماذا لا يلجأون إلى تخفيض نسبة الاحتياطي من 15 بالمئة الى 12 بالمئة؟ نعم هو موضوع سلبي لكن هذا أمر ممكن ومتاح قانوناً بتعميم من مصرف لبنان، وهذا أمر لا يخالف قانون النقد والتسليف وربما يخلق لنا بعض الفرص إذا كان هذا الاحتياطي موجوداً”.
أين الذهب؟
أثيرت في الآونة الأخيرة مسألة احتياطي الذهب، أين هو؟ لماذا كل هذا الغموض حول مصيره؟ هل يحصل عد الذهب بشكل عفوي؟ أم أنّ عدّ الذّهب يدخل ضمن خطّة استخدام أصول الدّولة وبينها الذهب.
يقول نور الدين “أنا من الأشخاص الذين يتخوّفون على مصير الذهب، وهو أصلاً اليوم غامض. لا توجد دول غامضة بموجوداتها مثل لبنان. ذهب بـ286 طن لا أعتقد أنّه بحاجة إلى إجراء عدّه مجدداً. بكبسة زر يمكن التأكّد مما لدينا إذا كان ما لدينا حقيقياً وإذا كانت المعلومات التي لدينا حقيقية”.
ويشكّك نور الدين في النوايا بناءً على التجربة التي تقول إنّ المسؤولين لم يصونوا مدّخرات المجتمع اللبناني التي تعب بها لعشرات السنوات، وإيصال الأسر اللبنانية إلى وضع يرثى له.
ماذا عن الحلول المتاحة؟ ولبنان الى أين؟
يقول نور الدين “للأسف أنا أرفض الحديث عن حلول كما يفعل البعض، أنا أتحدّث عن توزيع الخسائر. لا شيء اليوم اسمه حل في القضايا الاقتصادية والمالية الموضوع مختلف عندما يخسر مجتمع ما رأسماله أي مدخراته وقوّته لتحصيل المداخيل كما حصل في قطاع الاتصالات”.
ويشير نور الدين إلى أنّ قطاع الاتصالات بعد أن كان يجبي مداخيل لمصلحة الخزينة بقيمة مليار ونصف مليار دولار، اليوم ما يجنيه بالليرة اللبنانية يوازي تقريباً 250 مليون دولار فقط لأنّه يجبي بالليرة اللبنانية، ما يعني خسارتنا هذه المداخيل، ويقاس عليها أنّ كل مداخيل الدولة اللبنانية بالليرة التي تضاءلت قيمتها، ونحن مجتمع يستورد كل شيء.
يتابع “فإذاً كل ما نملك بات لا يساوي شيئاً بدليل أن الناتج المحلّي تراجع من مستوى 49 مليار دولار إلى 19 مليار دولار بأسعار الليرة اليوم وهو مرجح أن يتراجع بشكل أكبر. الحلول ليست بسيطة هناك مسكّنات وهناك أوجاع سنمر بها، هناك آلام كبيرة سيمر بها المجتمع والكل بدأ يلاحظها نتمنى أن نستفيد من هذه التجربة لبناء اقتصاد لديه قطاعات منتجة حقيقيّة أيضاً”.
ويشير إلى أنّ العنصر التجاري هو أحد عناصر الاقتصاد لكنه ليس اقتصاداً حقيقياً بمعظمه، يعني أن نشتري بضاعة وأن نبيعها بسعر أعلى هذا خلق لقيمة فائضة لكنها ليست مجدية للاقتصاد، ولا تؤدّي إلى منافع اقتصادية كبيرة بل تأخذ من مكان لتعطي في مكان آخر.
ويتابع “النظرة المستقبلية هو ما أطلق عليه الرسملة البطيئة، يعني هذا المجتمع عليه أن يعيش في مستوى مختلف كلياً عما عاشه قبل، وإن كان ما عشناه ليس مستوى مرفهاً بل مرفه لبعض شرائح المجتمع التي تمتّعت بقدرات شرائية أعلى مما يجب أن تتمتّع به، وهناك أمر يجب على الجميع أن يتقبّله من اليوم فصاعداً، كل شخص كان مدخوله يأتي بالليرة اللبنانية واستفاد عبر المستوردات واستهلاك السيارات والكماليّات، كان يعيش بها من أموال الآخرين وخصوصاً ممن كان يأتي بالدولار عبر المداخيل، هذه الأمور يجب أن يعرفها المجتمع اللبناني الحل لا يمكن أن يكون بالحفاظ على هذا المستوى المعيشي”.
ويؤكد نور الدين أنّ الموضوع بات مختلفاً وخارج السيطرة، وأنّ على المجتمع عليه أن يعيد رسملة نفسه، وربما يستطيع خلال عقد من الزمن بناء هذا الاقتصاد إذا بنى قطاعات اقتصادية منتجة.
الحل بإفلاس المصارف
يرى نور الدين أنّ القطاع المصرفي اليوم هو قطاع مشلول كلياً، ويعتبر أنّ الحل يكمن اليوم في أن تفلس المصاري أو أن تعاد رسملتها لتقوم بدورها الطبيعي.
يقول “نعم قد يخسر الناس أموالهم إذا أفلست المصارف، وأنا أفضّل أن تفلس المصارف على أن تسيطر على أملاك الدولة والأملاك العامة.
إفلاس المصارف يعني خسارة الطبقات الشعبية مليار و300 مليون، أما من تبقّى ممن لديهم الملايين لماذا علينا أن نكترث لهم سواء كانت أموالهم قد جاءت بشكل سليم أو ملتف؟ لماذا نعطيهم فرصة الحصول على أملاك الدولة؟”.
ويرى نور الدين أنّ التضحية بمليار و300 مليون ليست سهلة، وهي جنى العمر بالنسبة إلى الكثيرين، لكنّه يرى فيها الحل الأفضل للأجيال المقبلة و”إلا تحوّلنا إلى أحد ممتلكات البنوك”.